سورة طه - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا} من جهة ربنا {أَنَّ العذاب} الدنيويَّ والأخروي {على مَن كَذَّبَ} أي بآياته تعالى {وتولى} أي أعرض عن قَبولها، وفيه من التلطيف في الوعيد حيث لم يصرَّحْ بحلول العذاب به ما لا مزيد عليه.
{قَالَ} أي فرعون بعد ما أتياه وبلَّغاه ما أُمرا به، وإنما طُوي ذكرُه للإيجاز والإشعارِ بأنهما كما أُمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير تلعثم، وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} لم يُضِف الربَّ إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} وقوله تعالى: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} لغاية عتوِّه ونهاية طُغيانه بل أضافه إليهما لما أن المرسِلَ لا بد أن يكون رباً للرسول، أو لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} كما وقع في سورة الشعراءِ، والاقتصارُ هاهنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصودُ والفاءُ لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولَيْ ربِّهما، أي إذا كنتما رسولَي ربِّكما فأخبِراني مَنْ ربُّكما الذي أرسلكما، وتخصيصُ النداء بموسى عليه الصلاة والسلام مع توجيه الخطابِ إليهما لما أنه الأصلُ في الرسالة وهارونُ وزيرُه، وأما ما قيل من أن ذلك لأنه قد عرف أن له عليه الصلاة والسلام رُتّةً فأراد أن يُفحِمه فيردُّه ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حسن البيانِ القاطعِ لذلك الطمعِ الفارغ، وأما قوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} فمن غلوّه في الخُبث والدعارة كما مر.


{قَالَ} أي موسى عليه الصلاة والسلام مجيباً له: {رَبَّنَا} إما مبتدأٌ وقوله تعالى: {الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} خبرُه أو هو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ والموصولُ صفتُه، وأياً ما كان فلم يريدا بضمير المتلكم أنفسَهما فقط حسبما أراد اللعينُ بل جميعَ المخلوقاتِ تحقيقاً للحق ورداً عليه كما يُفصح عنه ما في حيز الصلة، أي هو ربُّنا الذي أعطى كلَّ شيء من الأشياء خلقَه أي صورتَه وشكلَه اللائقَ بما نيط به من الخواصّ والمنافِع، أو أعطى مخلوقاتِه كلَّ شيء تحتاج هي إليه وترتفق به، وتقديمُ المفعول الثاني للاهتمام به، أو أعطى كلَّ حيوان نظيرَه في الخلق والصورة حيث زوّج الحصانَ بالحِجْر والبعيرَ بالناقة والرجلَ بالمرأة ولم يزوِّج شيئاً من ذلك بخلاف جنسِه، وقرئ: {خَلَقه} على صيغة الماضي على أن الجملة صفةٌ للمضاف أو المضافِ إليه، وحَذفُ المفعولِ الثاني إما للاقتصار على الأول أي كلَّ شيء خلقه الله تعالى لم يحرِمْه من عطائه وإنعامِه، أو للاختصار من كونه منوياً مدلولاً عليه بقرينة الحالِ أي أعطى كلَّ شيء خلقه الله تعالى ما يحتاج إليه.
{ثُمَّ هدى} أي إلى طريق الانتفاعِ والارتفاق بما أعطاه وعرّفه كيف يَتوصّل إلى بقائه وكماله إما اختياراً كما في الحيوانات أو طبعاً كما في الجمادات والقُوى الطبيعية النباتية والحيوانية، ولمّا كان الخلقُ الذي هو عبارةٌ عن تركيب الأجزاءِ وتسويةِ الأجسام متقدماً على الهداية التي هي عبارةٌ عن إيداع القُوى المحرِّكةِ والمدْرِكة في تلك الأجسامِ وُسِّط بينهما كلمةُ التراخي، ولقد ساق عليه الصلاة والسلام جوابَه على نمط رائقٍ وأسلوب لائقٍ حيث بين أنه تعالى عالمٌ قادرٌ بالذات خالقٌ لجميع الأشياء مُنعِمٌ عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضلِ، وضمّنه أن إرسالَه تعالى إياه إلى الطاغية من جملة هداياته سبحانه إياه بعد أن هداه إلى الحق بالهدايات التكوينيةِ حيث ركّب فيه العقلَ وسائرَ المشاعرِ والآلاتِ الظاهرةِ والباطنة.
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الاولى} لما شاهد اللعينُ ما نظمه عليه الصلاة والسلام في سلك الاستدلالِ من البرهان النيّر على الطراز الرائِع خاف أن يُظهر للناس حقّيةَ مقالاتِه عليه الصلاة والسلام وبُطلانَ خرافات نفسِه ظهوراً بيّناً فأراد أن يصرِفه عليه الصلاة والسلام عن سَننه إلى ما لا يعنيه من الأمور التي لا تعلّق لها بالرسالات من الحكايات، ويشغَلَه عما هو بصدده عسى يظهر فيه نوعُ غفلةٍ فيتسلق بذلك إلى أن يدّعيَ بين يدي قومه نوعَ معرفة، فقال: ما حالُ القرونِ الماضية والأممِ الخالية وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصّلة؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: بأن العلمَ بأحوالهم مفصّلةً مما لا ملابسة له بمنصِب الرسالة وإنما علمُها عند الله عز وجل، وأما ما قيل من أنه سأله عن حال مَنْ خلا من القرون وعن شقاء من شقيَ منهم وسعادةِ من سعِد فيأباه قوله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} فإن معناه أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى وإنما أنا عبدٌ لا أعلم منها إلا ما علّمنيه من الأمور المتعلقة بما أُرسلت به، ولو كان المسؤولُ عنه ما ذكر من الشقاوة والسعادةِ لأجيب ببيان أن من اتبع الهدى منهم فقد سلِم ومن تولى فقد عُذّب حسبما نطق به قوله تعالى: {والسلام} الآيتين {فِى كتاب} أي مُثبْتٌ في اللوح المحفوظِ بتفاصيله ويجوز أن يكون ذلك تمثيلاً لتمكنه وتقرّره في علم الله عز وجل بما استحفظه العالَم، وقيده بالكَتَبة كما يلوح به قوله تعالى {لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى} أي لا يُخطِىء ابتداءً ولا يذهب علمه بقاءً بل هو ثابتٌ أبداً فإنهما مُحالان عليه سبحانه، وهو على الأول لبيان أن إثباتَه في اللوح ليس لحاجته تعالى إليه في العلم به ابتداءً أو بقاءً، وإظهارُ ربي في موقع الإظمار للتلذذ بذكره ولزيادة التقريرِ والإشعار بعلة الحُكم فإن الربوبيةَ مما يقتضي عدمَ الضلالِ والنسيانِ حتماً، ولقد أجاب عليه الصلاة والسلام عن السؤال بجوا عبقري بديعٍ حيث كشف عن حقيقة الحقِّ حجابَها مع أنه لم يخرُجْ عما كان بصدده من بيان شؤونِه تعالى ثم تخلّص إليه حيث قال بطريق الحكايةِ عن الله عز وجل لما سيأتي من الالتفات: {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} على أن الموصولَ إما مرفوعٌ على المدح أو منصوبٌ عليه أو خبرُ مبتدأ محذوف، أي جعلها لكم كالمهد تتمهدونها أو ذاتَ مهدٍ وهو مصدرٌ سُمّي به المفعولُ، وقرئ: {مِهاداً} وهو اسمٌ لما يُمْهد كالفِراش أو جمعُ مهد أي جعل كلَّ موضع منها مهداً لكل واحد منكم {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} أي حصّل لكم طرقاً ووسّطها بين الجبال والأودية والبراري تسلُكونها من قُطْر إلى قطر لتقضُوا منها مآربَكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها.
{وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} هو المطر {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي بذلك الماءِ وهو عطفٌ على أنزل داخلٌ تحت الحكاية، وإنما التُفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدِلالة على كمال القدرةِ والحكمة، والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مُطاعٍ عظيمِ الشأن تنقاد لأمره وتُذعِن لمشيئته الأشياءُ المختلفة كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} وقولِه تعالى: {أَم مَّنْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} خلا أن ما قبل الالتفاتِ هناك صريحُ كلامِه تعالى وأما هاهنا فحكايةٌ عنه تعالى وجَعْلُ قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} هو المحكيَّ مع كون ما قبله كلاَم موسى عليه الصلاة والسلام خلافُ الظاهر مع أنه يفوّت حينئذ الالتفاتَ لعدم اتحادِ المتكلم {أزواجا} أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقترانِ بعضِها ببعض {مّن نبات} بيانٌ أو صفةٌ لأزواجاً أي كائنة من نبات وكذا قوله تعالى: {شتى} أي متفرقة جمعُ شتيت، ويجوز أن يكون صفةً لنبات لما أنه في الأصل مصدرٌ يستوي فيه الواحد والجمع، يعني أنها شتّى مختلفةٌ في الطعم والرائحة والشكل والنفع، بعضُها صالحٌ للناس على اختلاف وجوهِ الصلاح وبعضُها للبهائم، فإن من تمام نعمته تعالى أن أرزاقَ عبادِه لما كان تحصّلها بعمل الأنعامِ جعل علَفها مما يفضُل عن حاجاتهم ولا يليق بكونه طعاماً لهم.


وقوله تعالى: {كُلُواْ وارعوا أنعامكم} حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول أي أخرجنا منها أصنافَ النباتِ قائلين: كلوا وارعَوا أنعامَكم أي معدّيها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة آذنين في ذلك {إِنَّ فِى ذَلِكَ} إشارةٌ إلى ما ذكر من شؤونه تعالى وأفعاله، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو رتبتِه وبُعْدِ منزلته في الكمال، والتنكيرُ في قوله تعالى: {لاَيَاتٍ} للتفخيم كماً وكيفاً أي لآياتٍ كثيرةً جليلةً واضحةَ الدِلالة على شؤون الله تعالى في ذاته وصفاتِه وأفعاله، وعلى صحة نبوةِ موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام {لأُوْلِى النهى} جمع نُهْية سمّي بها العقلُ لنهيه عن اتباع الباطلِ وارتكاب القبائح كما سمّي بالعقل والحِجْر لعقله وحَجْره عن ذلك، أي لذوي العقولِ الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما يدّعيه الطاغية ويقبله منه فئتُه الباغية، وتخصيصُ كونها آياتٍ بهم مع أنها آياتٌ للعالمين باعتبار أنهم المنتفعون بها.
{مِنْهَا خلقناكم} أي في ضمن خلقِ أبيكم آدمَ عليه الصلاة والسلام منها فإن كل فردٍ من أفراد البشر له حظٌّ من خلقه عليه الصلاة والسلام إذ لم تكن فطرتُه البديعةُ مقصورةً على نفسه عليه الصلاة والسلام، بل كانت أنموذَجاً منطوياً على فطرة سائرِ أفرادِ الجنسِ انطواءً إجمالياً مستتبِعاً لجَريان آثارِهما على الكل فكان خلقُه عليه الصلاة والسلام منها خلقاً للكل منها، وقيل: المعنى خلقنا أبدانَكم من النُطفة المتولدة من الأغذية المتولّدة من الأرض بوسائطَ، وقيل: إن الملَك الموكلَ بالرحِم يأخذ من تربة المكان الذي يُدفن فيه المولود فيبدّدها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} بالإماتة وتفريقِ الأجزاء، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدِلالة على الاستقرار المديدِ فيها {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} بتأليف أجزائِكم المتفتّتة المختلطةِ بالتراب على الهيئة السابقةِ وردِّ الأرواح إليها، وكونُ هذا الإخراجِ تارةً أخرى باعتبار أن خلقَهم من الأرض إخراجٌ لهم منها وإن لم يكن على نهج التارةِ الثانيةِ، والتارة في الأصل اسمٌ للتَّوْر الواحد وهو الجرَيانُ ثم أطلق على كل فَعْلة واحدة من الفَعَلات المتجددة كما مر في المرة.
{وَلَقَدْ أريناه} حكايةٌ إجماليةٌ لما جرى بين موسى عليه الصلاة والسلام وبين فرعونَ إثرَ حكايةِ ما ذكره عليه الصلاة والسلام بجلائل نَعمائِه الداعيةِ له إلى قَبول الحقِّ والانقيادِ له، وتصديرُها بالقسم لإبراز كمالِ العنايةِ بمضمونها وإسنادُ الإراءةِ إلى نون العظمةِ نظراً إلى الحقيقة لا إلى موسى نظراً إلى الظاهر لتهويل أمرِ الآياتِ وتفخيمِ شأنها وإظهار كمالِ شناعةِ اللعين وتماديه في المكابرة والعناد، أي وبالله لقد بصّرنا فرعونَ أو عرّفناه {ءاياتنا} حين قال لموسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين} وصيغةُ الجمع مع كونهما اثنتين باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمورِ التي كلٌّ منها آيةٌ بينةٌ لقوم يعقلون حسبما بين في تفسير قوله تعالى: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بئاياتى} وقد ظهر عند فرعونَ أمورٌ أُخَرُ كلُّ واحد منها داهيةٌ دهياءُ، فإنه روي أنه عليه الصلاة والسلام لما ألقاها انقلب ثعباناً أشعَرَ فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً وضَع لَحْيَه الأسفلَ على الأرض والأعلى على سور القصر وتوجه نحوَ فرعون، فهرب وأحدث وانهزم الناسُ مزدحِمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً من قومه، فصاح فرعونُ: ياموسى أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذتَه فأخذه فعاد عصاً، وروي أنها انقلبت حيةً فارتفعت في السماء قدرَ ميلٍ ثم انحطت مُقبلةً نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى مُرْني بما شئت، ويقول فرعون: أنشدك الخ، ونزع يدَه من جيبه فإذا هي بيضاءُ بياضاً نورانياً خارجاً عن حدود العادات قد غلب شعاعُه شعاعَ الشمس يجتمع عليه النظّارة تعجباً من أمره، ففي تضاعيف كلَ من الآيتين آياتٌ جمّةٌ لكنها لما كانت غيرَ مذكورةٍ صراحة أُكدتْ بقوله تعالى: {كُلَّهَا} كأنه قيل: أريناه آيتَيْنا بجميع مُستتبَعاتِهما وتفاصيلِهما قصداً إلى بيان إنه لم يبقَ له في ذلك عذرٌ ولا مساغَ لعد بقية الآياتِ التسعِ منها لما أنها إما ظهرت على يده عليه الصلاة والسلام بعد ما غلب السحرةَ على مهل في نحو من عشرين سنةً كما مر في تفسير سورة الأعراف، ولا ريب في أن أمرَ السحرةِ مترقَّبٌ بعُد، وأبعدُ من ذلك أن يُعدَّ منها ما جُعل لإهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلْق البحرِ وما ظهر بعد مهلِكِه من الآيات الظاهرةِ لبني إسرائيل، من نتْق الجبل والحجر سواءٌ أريد به الحجرُ الذي فرَّ بثويه أو الذي انفجرت منه العيون، وكذا أن يُعدّ منها الآياتُ الظاهرةُ على يد الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام بناءً على أن حكايتَه عليه الصلاة والسلام إياها لفرعون في حكم إظهارِها بين يديه وإراءتِه إياها لاستحالة الكذب عليه عليه الصلاة والسلام، فإن حكايتَه عليه الصلاة والسلام إياها لفرعون مما لم يجْرِ ذكرُه هاهنا على أن ما سيأتي من حمل ما أظهره عليه الصلاة والسلام على السحر والتصدي للمعارضة بالمثل يأباه إباءً بيّناً، وينطِق بأن المرادَ بها ما ذكرناه قطعاً ولولا ذلك لجاز جعلُ ما فصله عليه الصلاة والسلام من أفعاله تعالى الدالةِ على اختصاصه بالربوبية وأحكامِها من جملة الآيات {فَكَذَّبَ} موسى عليه الصلاة والسلام من غير تردّد وتأخُّر مع ما شاهده في يده من الشواهد الناطقةِ بصدقه جحوداً وعِناداً {وأبى} الإيمانَ والطاعةَ لعتوّه واستكبارِه، وقيل: كذب بالآيات جميعاً وأبى أن يقبل شيئاً منها أو أبى قَبولَ الحق.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9